واقع إدارة بيانات التسويق الرقمي في العالم العربي و5 تطبيقات عملية لاستثمارها في تعزيز النمو

محتوى المقالة

كنت قد اقتبست في مقالتي للتعريف بمكونات نموذج التسويق الحديث، مقولة تنص على أن «البيانات هي نفط العصر الجديد»، وفي هذه الدراسة التي أحببت مشاركتها، سوف أنطلق من هذه النقطة، لنبين بتطبيقات عملية كيف تستطيع الأنشطة التجارية من كافة الأحجام بدءًا من الشركات الكبرى وحتى المشاريع الناشئة الصغيرة، الاستفادة من البيانات في تسريع نموها، زيادة أرباحها، تقليص نفقاتها وتحسين أدائها إجمالاً.

فالكثير لا زال يعتقد أن «البيانات» هي حكر على الشركات الكبرى دون غيرها، وأن الاستفادة تحتاج إلى ميزانيات هائلة، بينما في واقع الأمر، أدوات إدارة بيانات التسويق أصبحت في متناول يد الجميع وعلى جميع المسوقين والشركات البدء بإدماج هذه الرؤية ضمن استراتيجياتهم. فمن يمتلك المعلومة اليوم يملك القوة في ساحة المنافسة والتسابق في الأسواق.

مقدمة إلى البيانات في عالم التسويق

في البداية؛ لابد من ترسيم الحدود الرئيسية، بالإجابة على كل من؛ ما هي بيانات التسويق الرقمي؟ وما هو الهدف من امتلاك هذه البيانات، وما هي مراحل إدارة هذه البيانات؟ ومن المهم جداً التفريق بين البيانات والمعلومات قبل الخوض في بعض التطبيقات العملية لاستثمار بيانات أنشطة التسويق وتحويلها إلى معلومات تبنى عليها القرارات الرابحة.

ما هي بيانات التسويق الرقمي؟

البيانات في عالم التسويق الرقمي تعني بالدرجة الأولى، الأثار والبصمات التي يتركها عملائك خلفهم عندما يتفاعلون مع أي عنصر من عناصر وأصول علامتك التجارية، مثل حملاتك الإعلانية، صفحات الهبوط، المتاجر الإلكترونية، تطبيقات الهواتف الذكية، المواقع الإلكترونية، حسابات الشبكات الاجتماعية، البريد الإلكتروني، وغيرها من الأصول والعناصر التي تختلف من علامة تجارية إلى أخرى حسب طبيعة نشاطها.

إذاً الآن نكون قد عرفنا مواقع توافر هذه البيانات ولنفترض بأنها الآن تجسد «مسرح العمليات» حيث سوف نحاول تعقب كل الأثار والبصمات التي تركها الجمهور خلفه بعد حضوره للحدث التسويقي.

قد تتساءل الآن وهل العميل يترك شيء خلفه عندما يتفاعل في تلك المسارح؟

الإجابة بكل تأكيد؛ نعم! سواء أكان العميل أو نحن كمسوقين، وكل مستخدم في هذا الفضاء الرقمي، عندما يتحرك أو يتنقل في هذه الأماكن دائماً ما يترك خلفه هذه البصمات حتى ولو كان غير مدركاً لها!

أمثلة على هذه البيانات:

الموقع الجغرافي، مدة البقاء في ذلك المسرح سواء مثل صفحات الهبوط، العمر، الجنس، شركة الاتصال، نظام التشغيل، نوع الهاتف أو الجهاز، نوع المتصفح، مقاس الشاشة، كل ضغطة زر، كل لمسة على الشاشة، كل معلومة يدخلها (باستثناء المعلومات الحساسة مثل كلمات المرور وبطاقات الدفع)، كل صفحة قام بزيارتها، من أي مصدر جاء بالتفصيل، الحالة الاجتماعية (متزوج، أعزب، أب أو أم)، طبيعة اهتماماته بناءً على المواقع التي يزورها أو التطبيقات التي يستخدمها، بالإضافة إلى لغة الجهاز المستخدم وغير ذلك الكثير من الأثار الرقمية التي لا حصر لها.

ملاحظة: توافر هذه البيانات يختلف من مسرح إلى آخر. بعض البيانات هذه قد لا تكون متاحة في بعض المسارح.

ما هو الهدف من الوصول إلى بيانات التسويق الرقمي؟

والآن بعد إدراك هذه الحقيقة الصادمة لكمية البيانات التي نتركها خلفنا مثل عملائنا تماماً في هذا الفضاء الرقمي، سوف ندرك على الفور، مدى الإمكانيات والآفاق اللامحدودة التي يمكننا الوصول إليها بحال التمكن من امتلاك هذه البيانات وتحويلها إلى معلومات مفيدة تمكننا كمسوقين على توجيه بوصلة أنشطتنا التسويقية.

ما هي مراحل إدارة بيانات التسويق؟

إدارة هذه البيانات تتم على عدة مراحل بدءًا من:

1. استخراج البيانات

أنظمة التعقب، التي سوف تقوم بالكشف لنا عن هذه الأثار والبصمات التي يتركها العملاء.

2. تجميع البيانات

ثم تأتي مرحلة نقل هذه البيانات إلى منصات قادرة على تجميعها وعرضها بشكل بصري، فلن نقوم بقراءتها كنصوص، إنما نحتاج إلى تجميعها وفرزها حسب السياق ومن ثم عرضها ضمن منحنيات ورسومات بصرية.

3. تحليل البيانات

ومن بعدها تبدأ مرحلة التحليل لاستقراء هذه البيانات ضمن سياقاتها ليتم تحويلها إلى معلومات تساعد في اتخاذ القرارات التسويقية، البيعية، والإدارية حتى.  

4. مشاركة البيانات

وفي الختام ومن أهم المراحل التي يغفل عنها الكثير، هي مرحلة مشاركة البيانات. وعندما نشير إلى تشارك البيانات، لسنا نشير في هذا المقام إلى تبادلها ضمن الإدارة والموظفين، بل إلى تبادلها بين أنظمة أنشطة التسويق الرقمي وبخاصة مع المنصات الإعلانية. فعندما يقوم الزوار بالضغط على زر الشراء في صفحة الهبوط، أريد مشاركة وإبلاغ هذه المنصات الإعلانية بأن هؤلاء الزوار قاموا بالضغط على زر الشراء لدي، لتقوم هذه المنصات بدورها بدراسة هذه الفئة من الجمهور والبحث لي عن جماهير وعملاء مشابهين له ضمن قواعد بياناتهم العملاقة.

ما هو الفرق بين البيانات والمعلومات؟

البيانات هي المواد الخام أو المدخلات التي ستتحول إلى معلومات عندما يتم التفاعل معها، لذلك البيانات بذاتها مستقلة وتتسم بالحيادية، وبمجرد تفاعل المسوق مع هذه البيانات واستقرائه لها ضمن سياقات مختلفة والحكم عليها يمكن استخراج المعلومات. وهذا التميز يصبح مهماً في السيناريوهات المتقدمة خلال مرحلة التحليل، لأننا قد نصدر أحكام أو نصل إلى خلاصات على البيانات الواردة، ونكتشف في نهاية المطاف بأن تحليلها وتفسيرها كان ينضوي على بعض التحيز إلى تجارب وخبرات سابقة لدينا كمسوقين.

تطبيقات عملية لاستثمار بيانات التسويق في تحسين الأداء وزيادة المبيعات

بالتأكيد لن نستطيع حصر كافة التطبيقات اللامتناهية لبيانات كل مسرح من «مسارح العمليات» التي ذكرناها إن جاز التعبير. لكن سوف أحاول تسليط الضوء على بعض التطبيقات الهامة والمفيدة لمختلف العلامات التجارية.

الوصول إلى عملاء مشابهين لعملائك

إن حملات التحويل أو ما يعرف بحملات الـ «Conversion»، لا يمكنها العمل بنجاح والوصول إلى عملاء بالفعل مستعدين للتحول إلى عملاء حقيقين لعلامتك التجارية، مالم يتم تغذية هذه الحملات عن طريق البكسلات التي توفرها مختلف المنصات الإعلانية، فكل منصة توفر لك «بكسل»، وهو أداة تركب في موقعك الإلكتروني مثلاً، وتقوم بنقل بيانات زوارك إلى تلك المنصة الإعلانية، لتقوم المنصة بدورها بدراسة هؤلاء العملاء وتوجيه حملتك إلى جمهور مشابه لهم، وبالتالي تحسين أداء حملاتك، بالوصول إلى جماهير مستعدة للتحويل مع استهداف أدق، وبتكلفة أقل ما يمكن وعائد على إنفاقك الإعلاني بأقصى ما يمكن كلما قمت بتمكين البكسل من الوصول إلى بيانات جمهورك.

تحسين معدل التحويل

قد لا يتخيل البعض بأن إمكانيات عصر البيانات والأدوات المتاحة، تمكنك من تركيب أداة على موقعك الإلكتروني أين كانت طبيعته، متجر أو صفحة هبوط أو غيره، لتسجيل زيارات عينات من جمهورك على شكل فيديو، يمكنك مشاهدته من لحظة وصول الزائر إلى حين مغادرته، مع مشاهدة كل حركة وسكنة قام بها، مما يمكنك من فهم كيف يتفاعل جمهورك مع المحتوى الذي تضعه لإقناعه بالشراء مثلا. وبالتالي سوف تدرك جدوى ذلك المحتوى في إقناع جمهورك، وأي المناطق تحتاج لتطوير، عندما تشاهد الجمهور يغادر صفحتك عند وصوله إلى سطر معين مثلاً. في نهاية المطاف سوف تتمكن من أن تعيش بجوار جمهورك وتشاهد ردة فعلهم لتقوم باتخاذ الإجراءات المناسبة لرفع معدل التحويل وزيادة مبيعاتك.

تحليل مصادر المبيعات

عندما تنتقل إلى مستوى علامة تجارية تتعامل مع مختلف المنصات الإعلانية لزيادة مبيعاتها، لا يمكنك هنا إغفال هذه المعلومة، والإبقاء على نفس الميزانية ومستوى الإنفاق في كافة المنصات الإعلانية. بل يجب عليك معرفة مصدر كل عميل، لتقوم بتقييم علاقتك مع هذه المنصات الإعلانية المختلفة وفهم مدى جدوى كل واحدة فيها مع طبيعة مشروعك التجاري. في هذا التطبيق العملي يمكنك حتى الذهاب إلى ما وراء ترشيد إنفاقك الإعلاني مع المنصات الأقل أداء وإلى ما وراء تعزيز شراكتك مع المنصات الأكثر ربحية، من خلال تقييم أداء حملاتك في ذات المنصة، وحتى تقييم أداء مجموعاتك الإعلانية في نفس الحملة الواحدة، بل وحتى تقييم أداء إعلاناتك المختلفة داخل نفس المجموعة الإعلانية. فلك أن تتخيل كيف تستطيع الآن تركيز إنفاقك على الإعلانات الأكثر جدوى، المجموعات الإعلانية الأكثر جدوى، الحملات الإعلانية الأكثر جدوى، والمنصات الإعلانية الأكثر جدوى!

إعادة استهداف جماهيرك

عوضاً عن البحث دائماً عن جماهير باردة لا تعرف شيء عنك بعد، ولا تملك أدنى ثقة بعلامتك التجارية، لابد من العمل بشكل دوري مع الجماهير الحارة التي سبق وتعاملت معك بأي شكل من الأشكال، لأنها تثق بك وتعرفك جيداً، فإذا كنت صاحب متجر إلكتروني، لابد عليك من إعادة استهداف جمهورك الذي سبق واشترى منك، ولا يمكنك ذلك إلا بتعقب هذه الجماهير، والتمييز بينها وبين نظريتها الباردة التي لا تعرفك، ومن ثم يمكنك توجيه حملات إعادة استهداف لكل من قام بزيارة صفحة الشراء مثلاً لحصد المزيد من المبيعات السهلة من عملاء يعرفونك جيداً.

التجسير بين التسويق والمبيعات

غالبا ما تبدأ حملات التسويق بفرضيات، كفرضيات الشرائح العمرية المناسبة للاستهداف مثلاً. لكن هذه مجرد مرحلة مؤقتة يجب أن تنتهي مع بدء خروج المبيعات. فكيف تنتهي إذاً؟ بدراسة العميل المشتري النهائي بكل بساطة. حيث يمكننا دراسته على مستوى المحددات الديموجرافية مثل العمر والجنس إلى جانب المحددات الجيوجرافية مثل المدن المستهدفة وطبيعة الأجهزة المستخدمة وغير ذلك الكثير مما يمكننا بنقل هذه الخبرات إلى الحملات الإعلانية والبدء بتكييف استراتيجيات التسويق مع المبيعات والنتائج والمخرجات. وبالتأكيد لن نقوم بالمرور على كل عميل وسؤاله عن عمره أو جنسه أو عنوانه وغير ذلك من المعلومات التي قد يساء فهمها من قبل العميل.

إلى هنا نكون قد انتهينا من تقديم أهم 5 تطبيقات عملية لاستثمار بيانات التسويق الرقمي، وتبيان كيفية توظيفها في تحسين الأداء وزيادة المبيعات تباعاً. أما كيفية تفعيلها في علامتك التجارية فبالتأكيد؛ كل واحدة تحتاج إلى مشروع عمل وتفصيل مختلف حسب الجمهور وطبيعة نشاط العلامة التجارية.

واقع إدارة بيانات أنشطة التسويق الرقمي في عالمنا العربي

إلى هنا لا شك بأن نظرتنا قد تفتحت على مدى قوة وقدرة هذه البيانات على تقرير مصير العديد من المشاريع والعلامات التجارية، وفي ذات الوقت يجب أن تكون قد تفتحت على مدى حساسية هذه البيانات ومخاطر توظيفها في سياقات خارج سياق أنشطة التسويق الرقمي. لذلك بالفعل كانت قد أثيرت هذه المسألة لدى كبرى الشركات في العالم، وبدأت الدول تقنن آلية توظيف هذه البيانات، كما بدأت بعض الشركات بمحاربة الوصول إلى بيانات عملائها، مثل شركة آبل التي قامت بزعزعت أركان المنصات الإعلانية في مطلع عام 2020 عندما قررت حظر وصول المنصات الإعلانية إلى بيانات مستخدمي IOS.

وهو القرار الذي تسبب بخسائر هائلة لدى المنصات الإعلانية والمعلنين بسبب عجز في المقدرة على الوصول إلى الاستهداف الدقيق لمستخدمي IOS، حتى اطرت تلك المنصات إلى البدء في التحايل على ذلك القرار لإنقاذ أرباحها وإنقاذ المعلنين لديها. وإلى الآن لا تزال التحديثات مستمرة لتطوير قدرة المنصات الإعلانية على تعويض هذا العجز، ولتمكين المسوقين من تطوير بنيتهم التحتية للتعاون مع المنصات الإعلانية وإرسال البيانات المنقوصة عن طريق مسارات تسمى بالـ API’s.

فكل العلامات التجارية والمسوقين الذين تمكنوا من مواكبة هذه التحديات وتمكين مرور البيانات بالطرق الجديدة كان لهم السبق والأفضلية على غيرهم من المعلنين الذين إلى الآن ربما غير ملمين بما يحصل في الساحة الخلفية، وهم يشاهدون مؤشرات أدائهم بتراجع بدءً من عام 2020.

وبالنظر إلى واقع عالمنا العربي، على صعيد منصات التوظيف والعمل، وعلى صعيد محتوى محركات البحث، إلى جانب العديد من الشركات التي كنت أقدم لها الاستشارات الخاصة، أجد أننا إلى الآن نفتقر إلى الوعي بأهمية إدارة وتفعيل إمكانيات هذه البيانات في عالم التسويق الرقمي والاستثمار فيها كركن أساسي من أركان المنظومة التسويقية القائمة على نموذج التسويق الحديث الذي سبق وفصلت فيه في مقالة سابقة أتركها لكم في الأسفل.

المقالة: تعرف على نموذج التسويق الحديث بعناصره وإمكانياته الكامنة

في ختام هذه الدراسة التي حاولت فيها الكشف عن إمكانيات بيانات العصر في تعزيز أداء التسويق وزيادة المبيعات، أتمنى أن تكون قد اتضحت لكم الرؤيا، كما أترك لكم باب التعليقات مفتوح لمشاركة أي أراء أو استفسارات أو أسئلة قد تساعد في تفعيل هذه الإمكانيات لدى علاماتكم التجارية أو مشاريعكم.

شارك مع صديقك🙌🏻!

م. ياسر الحراكي

مستشار لحلول التسويق والتحول الرقمي

متخصص ببناء قنوات توليد العملاء، وتطوير نظم تتبع سلوك الجماهير بهدف تحسين معدلات التحويل، إلى جانب قيادة أنشطة التحول الرقمي لرفع كفاءة المنظومة التسويقية والمبيعية للشركات. أقدم الاستشارات الخاصة لأصحاب الأعمال لإحداث النقلات النوعية على منحنيات أداء مشاريعهم.

متخصص ببناء قنوات توليد العملاء، وتطوير نظم تتبع سلوك الجماهير بهدف تحسين معدلات التحويل، إلى جانب قيادة أنشطة التحول الرقمي لرفع كفاءة المنظومة التسويقية والمبيعية للشركات. أقدم الاستشارات الخاصة لأصحاب الأعمال لإحداث النقلات النوعية على منحنيات أداء مشاريعهم.

توصل بإشعار في بريدك الإلكتروني عند نشر كل مقالة جديدة!

تعلم المزيد

شارك رأيك أسئلتك ولا تتردد!​

فكل تعليق سيتم الرد عليه خلال 24 ساعة كحد أقصى

سرع نمو مشروعك التجاري

وتعرف على الخدمات التي يمكنها نقل أداءه إلى المستوى التالي