تطور سلوك الشراء لدى العميل
وفقاً لأخر مؤشرات وأبحاث السوق، يتضح أن السلوك الشرائي للمستهلكين تأثر بشكل كبير بمفهوم العروض والخصومات التي تطرحها العلامات التجارية على مدار السنة. بمعنى أن عقلية العملاء بدأت تدمن هذه «الخصومات»، حتى ولو كانت في كثير من الأحيان مجرد «خصومات وهمية» مثلما نلحظ أحياناً، عندما تقوم علامة تجارية برفع أسعارها قُبيل نشر عروضها، وبالتالي طورت الجماهير قناعة تلهمها بأن كل منتج في السوق، تستطيع الحصول عليه بسعر أفضل في مواسم العروض تلك.
الجمعة البيضاء والتقويم التسويقي
وعندما نتحدث عن أهم العروض والخصومات في التقويم التسويقي، لابد من البدء بموسم البلاك فرايدي أو ما يعرف محلياً بالجمعة البيضاء. حيث تشترك في هذه المناسبة السنوية جميع العلامات التجارية من مختلف أنحاء العالم.
التقويم التسويقي: هو تقويم سنوي يحتوي كافة المواسم التي سوف تقوم علامتك التجارية بتقديم العروض والخصومات فيها موزعة على 12 شهراً، بالاستناد إلى كافة أشكال المناسبات السنوية في سوقك التجاري، من أعياد دينية ومناسبات اجتماعية وأحداث ثقافية وغيره.
وتأتي أهمية الجمعة البيضاء من موقعها وسط عروض الموسمية على التقويم التسويقي، لأنها تأتي في أواخر السنة، حيث تريد جميع العلامات التجارية تفريغ مخزونها لإفساح المجال لمنتجات السنة الجديدة كما تريد تحقيق أقصى ما يمكن من مبيعات إضافية قبل إغلاق دفتر حسابات السنة.
وتزداد أهمية هذا الموسم لأنه يعتبر e لعدة مواسم تسويقية أخرى تأتي بعده، مثل الـ «السايبر موندي» أو ما يعرف أحياناً بـ «اثنين الإنترنت»، أو الاثنين الرقمي وغيره من المسميات التي تعتبر أقل شهرة، لأن هذا الموسم يأتي مباشرةً بعد الجمعة البيضاء، فأصبحت العديد من العلامات التجارية تقوم بتمديد عرض الجمعة البيضاء والاحتفاظ بنفس الاسم.
كذلك يأتي من بعدهم خصومات نهاية السنة أو رأس السنة والتي تعتبر من أكبر الخصومات على مدار العام. بذلك تكون الجمعة البيضاء هي بوابة دخول العلامات التجارية إلى موسم مبيعي شديد المنافسة حقيقة ومن هنا تأتي أهمية التفكير والبحث عن التطبيقات والاستراتيجيات المتجددة للتمكن من جذب العميل وسط كل هذا الوسط شديد المنافسة والمليء بعدد لا متناهي من العروض والخصومات.
الكرة بملعب العميل حقيقة في هذا الموسم أكثر من أي وقت آخر على مدار السنة، لذلك على كل علامة تجارية التحضير لهذا الموسم بشكل مسبق للتمكن من تطوير الأفكار والصيغة المناسبة لدخول الموسم.
موعد الجمعة البيضاء لسنة 2023
وتأتي الجمعة البيضاء بعد يوم عيد الشكر مباشرةً، أي في الجمعة الأخيرة من شهر نوفمبر كل سنة، وبالتالي لا يوجد موعد ثابت. فالسنة الماضية في عام 2021 كانت في 26 نوفمبر، أما في سنة 2022 انتقلت إلى 25 نوفمبر، وفي سنة 2023 القادمة سوف تصبح في 24 نوفمبر.
إحصائيات عن موسم الجمعة البيضاء
فيما يلي ذكره سوف نسلط الضوء على بعض أهم التلميحات والإحصائيات المتعلقة الجمعة البيضاء.
تشير إحصائيات DriveResearch الشهيرة إلى أن الإقبال على التسوق عبر الأونلاين في موسم الجمعة البيضاء يزداد نمواً في السنوات الأخيرة، حتى وصل إلى 69% في سنة 2022 بقفزة معتبرة عن السنتين السابقة، مقارنة بـ 32% أشاروا إلى أنم يفضلون التسوق الميداني إن جاز التعبير، بمعنى النزول إلى الأسواق والتجول وسط المتاجر عوضاً عن التسوق عبر الأونلاين.
وعلى الرغم من أن مجمل النسبة وصل إلى 69% على مستوى كافة الشرائح العمرية التي شاركت في التصويت، إلا أن هذه النسبة كانت أكبر ووصلت إلى 86% لدى جيل الألفية، الجيل Y، والجيل Z، وهي الأجيال التي تشير في علم التسويق إلى من ولدوا بين عام 1960 تقريباً إلى غاية عام 2010.
ومن المثير للاهتمام بأن إحصاءاتهم تشير إلى أن النساء كانوا أكثر إقبالا على التسوق عبر الأونلاين، حيث أفاد 73% من النساء بأنهم مقبلون على التسوق عبر الأونلاين، بينما أفاد 65% فقط من الرجل بأن لديهم نية للتسوق عبر الأونلاين. مما يعني أن أصحاب العلامات التجارية الخاصة بالنساء سوف يكون لديها فرصة أكبر باستقطاب جماهيرها للتسوق عبر متاجرها الإلكترونية.
ووفقاً للاتحاد الوطني لمبيعات التجزئة في الولايات المتحدة الأمريكية المعروف بـ «NRF»، كان إقبال الناس على قطاعات الملابس والاكسسوارات، الألعاب، والهدايا، والكتب، والإلكترونيات، والغذاء، والعناية، والديكورات، والرياضة، والمجوهرات، هو الأكثر حظاً في موسم الجمعة البيضاء لعام 2021.
تأثير الجمعة البيضاء على السلوك الشرائي
كما أشرنا في مقدمة المقالة، إلى أن استقراءات واستبيانات السوق تقول بأن الجمهور طور قناعة تقتضي بأن العلامات التجارية قادرة على تخفيض أسعار منتجاتها عندما تشاء، ولعلمهم المسبق أنها سوف تشارك في عروض الجمعة البيضاء مثل كل سنة، كما تشير
دراسات شركة «LoyaltyLion» في كتيبها السنوي لدراسات سلوك العملاء في البلاك فرايدي، بدأ العملاء يميلون أكثر إلى «الادخار وعدم الإنفاق» قُبيل هذا الموسم للحصول على أفضل العروض عندما تطرح في السوق.
وبالاستناد إلى مؤشرات السوق في عالمنا العربي، لوحظ هذا السلوك بالفعل في معظم قطاعات العمل باستثناء قطاع واحد فقط لم يشهد أي انخفاض أو زيادة ملحوظة وفقاً بناء على استقراء أداء 6 شركات منفصلة، كما أفادني عدد من رجال الأعمال العاملين في قطاعات وأسواق متباعدة.
وهذا السلوك الذي أدى لانخفاض المبيعات من مطلع شهر نوفمبر لدى 5 من أصل 6 شركات مع الحفاظ على خصوصية بياناتها، لا يعني بالضرورة بأنها ستكون من الشركات والقطاعات المستفيدة من موسم الجمعة البيضاء بالضرورة وستشهد إقبال أكبر خلال الموسم يعوض هذا التراجع.
لأن إقبال الناس في هذا الموسم يتضح أنه مركز على قطاع السلع والمنتجات بعيداً عن قطاع الخدمات وفقاً لتحليلات الاتحاد الوطني لمبيعات التجزئة في الولايات المتحدة الأميركية. وبالتالي؛ على العاملين بقطاع الخدمات من أي شكل كان، التحضير بشكل أكبر لتحديات هذا الموسم.
أفكار وتطبيقات للجمعة البيضاء
كمسوق أو صاحب عمل، لابد أنك تعرضت للعديد من أشكال التسويق في هذا الموسم. وبالتالي لن نكرر ذكر الأساليب المستهلكة، إنما سوف أحاول وضع عدد من الاستراتيجيات الجديدة. نبدأ:
1. ابدأ مبكراً
هذه الفكرة من الأفكار القلائل المشهورة خارج السوق العربي، إلا أن معظم العلامات التجارية العربية لا تعمل بها، وفي الغالب يرجع الأمر لعقلية إدارة الشركة التي لا تمتلك تخطيط مبكر ومسبق، وبالتالي تجد نفسها فجأة وسط إعلانات الجمعة البيضاء من الشركات الأخرى والمنافسة، لتبدأ هنا بالانتباه للحدث، والبدء بالعمل عليه متأخراً. لذلك؛ لديك فرصة كبيرة بالبدء مبكراً قبل موعد الجمعة بـ 5 أيام مثلاً؛ حيث يمكنك جذب انتباه العملاء قبل اشتداد المنافسة وسيكون لديك حظ أكبر بوجود قدرة شرائية أكبر، قبل بدء إنفاقهم في عروض الموسم.
2. ابدأ من الداخل إلى الخارج
كثير من الشركات ما تبدأ بالعكس تماماً؛ تبدأ بالإعلانات إلى جماهير خارجية باردة، وتغفل الجماهير الداخلية الدافئة التي تحتفظ بعلاقة مسبقة مع الشركة، وبالتالي لديك فرصة أكبر لتتعامل معك مرة ثانية. بدلاً من أن تبدأ بإعلان في منصة انستجرام مثلاً، ابدأ بالتسويق والإعلان لعملائك وجمهورك الداخلي الذي يعرفك وسبق وتعامل معك ولديه ثقة بك.
3. فكر باستخدام الرسائل القصيرة عوضاً عن الإيميل
لابد أنك استيقظت يوماً لتجد بريدك الإلكتروني انفجر بسيل من الإيميلات التي تحمل إليك خصومات الجمعة البيضاء. نفس الشيء يعيشه عميلك قبل أن يقرر تخطي كل هذه الفوضى بضغطة زر. فإذا كنت قادر على التجديد والتغيير، فكر باستخدام رسائل الـ SMS لجذب انتباه جمهورك الداخلي ممن تمتلك أرقامه ضمن بياناتك، إلى جانب استخدام الإيميل بالتأكيد بدون الاستغناء عنه.
4. فكر بالتعاون مع المشاهير في هذه الفترة
في هذا الموسم، كافة العلامات التجارية إنما تتسابق في نهاية المطاف على شيء واحد وهو «جذب انتباه العميل»، فالعروض موجودة في كل مكان، وحتى منافسيك نشروا عروضهم غالباً، لذلك تحتاج إلى أن تركز على الأسبقية في هذه الفترة، والتعاون مع مؤثرين بشكل مسبق يوفر لك أداة جيدة لجذب جمهورك بعيداً عن الإعلانات والإيميلات التي ينفر منها أساساً الجميع من قبل الموسم، فكيف والآن قد ازدحمت بإعلانات الموسم. وأنا أعرف أنك غالباً لم تكن قد تعاملت مع مؤثرين، لكن لا بأس بالتفكير الآن بهذه الاستراتيجية والإقدام على تجربتها، ولو مع مؤثرين من الفئة المتوسطة حسب حجم نشاطك التجاري.
5. أنفق المزيد من الوقت مع جناح التصميم والمحتوى
في ذات السياق.. سياق الصراع على الاستحواذ على انتباه العميل في هذا الموسم، تأكد من إنفاق الوقت الكافي بل وزيادة، في أنشطة صناعة المحتوى والتصميم والمونتاج لهذه المناسبة، فالملامح البصرية والحبكة النصية الجذابة، تزداد أهميتها الآن وتستطيع جذب انتباه الجمهور لعروضك.
6. قم بإثارة حماس الجمهور بحملة مسبقة
من الاستراتيجيات الجديدة التي ربما لم نشاهدها إلى الآن في السوق العربي، هي خصومات الحملات المسبقة. أي تقوم بالإعلان قبل شهر كامل مثلاً عندما يكون المناخ هادئاً، من خلال حملة تتيح فيها لعملائك بالتسجيل في قائمة انتظار للحصول على قيمة إضافية واستثنائية لهم فقط عن بقية المستفيدين لاحقاً من خصم الجمعة البيضاء الرئيسي. بهذه الآلية تستطيع تحشيد عدد من المشترين المحتملين بشدة قبل انشغالهم بإعلانات المنافسين والشركات الأخرى، مقابل توفير شيء مميز لهم. وفيما يلي صورة لنموذج أجنبي، علماً بأنك قيد مقيد بطلب إيميلهم، يمكنك طلب رقم هاتفهم مثلاً أو تجميعهم في تصنيفات الواتساب، وغير ذلك من الأساليب.
7. نوع خصوماتك وقم بتخصيصها لهم
بالتأكيد؛ لا يوجد شيء واحد قادر على جذب جميع شرائح الجمهور المختلفة، فتأكد من مراعاة هذا الشيء، وفكر بتوفير خصومات متنوعة، وقم بتخصيصها حسب شرائح عملائك. فالعميل دائماً يحب أن تخاطبه بشكل مباشر وأن تشعره بالتفرد والتميز. على سبيل المثال؛ إذا كنت صاحب متجر إلكتروني، يمكنك التفكير بتوفير خصم 30% للزوار الجدد لمتجرك الإلكتروني، وتقول مثلاً، سجل طلبك الأول واحصل على خصم 30% الآن، هنا تتيح الفرصة للعميل لشعوره بالتميز عند تسجيل طلبه الأول معك، بينما يمكنك إظهار إعلان آخر لعملائك السابقين، وتقول له اطلب الآن واحصل على توصيل مجاني مع خصم 15%، لأنه سبق وتعامل معك ودفع لك لقاء التوصيل، فالآن عندما تحرره من هذه التكلفة مع خصم لطيف سيكون لديك فرصة أكبر على جذبه بشيء جديد مناسب لرغباته.
8. عجلة الهدايا
من منطلق الاستراتيجية السابعة التي نوصي بها بتنويع الخصومات، إذا كنت قد وصلت إلى مجموعة أفكار وخصومات يمكنك الآن توظيفها باستخدام «عجلة الهدايا»، لتظهرها لجميع زوار موقعك وتتيح لهم فرصة تجربتها والشعور بذلك الحماس وهم يرتقبون ما هي الهدية التي سوف يحصلون عليها؟
بالتأكيد ليست من الاستراتيجيات المناسبة لجميع العلامات التجارية، لكن إذا كنت تمتلك منتجات متناسبة معها، ويمكنك توفير خصومات مدروسة ومتكافئة، يمكنك تجربتها وإتاحة الفرصة لجمهورك بالاستمتاع بحماس تلك اللحظة.
9. تأكد من لفت انتباه جمهورك لضيق الوقت
استخدام العداد التنازلي أصبح من العناصر الرئيسية في أي عرض أساساً، لكن أهميته في هذا الموسم تزداد، والكثير يغفل عن أهميته أو لا يجيد آلية توظيفه، لأننا بطبيعة الحال عندما نشعر بأننا نستطيع إنجاز هذه الخطوة لاحقاً، غالباً ما نقوم بالتسويف وإنجازها لاحقاً إلى أن يأتي الوقت الذي تفوتنا فيه. وبالتالي قيد خصوماتك بسياق زمني، وأضف عدد تنازلي في صفحات هبوط عملائك، للفت انتباههم إلى أن هذا العروض متاح لوقت محدود فقط وعليهم التقرير الآن إذا كانوا يريدون الحصول عليه أو لا.
10. وظف مساحات إعلانية في موقعك
إذا كنت تمتلك موقع إلكتروني، أين كان، متجر، مدونة، أو غيره، تأكد من توظيفه في هذا الموسم من خلال تثبيت مساحة إعلانية أعلى صفحات موقعك الإلكتروني مثلاً، أو إظهار نافذة منبثقة المعروفة بالـ «Pop-up».
في الختام؛ كانت هذه أهم 10 أفكار واستراتيجيات أحببت مشاركتها معكم في هذا الموسم، وحرصت على أن تكون فريدة من نوعها ومختلفة عن الأساليب المشاهدة على الساحة الإعلانية هذه الأيام. ولأي إضافات أو استفسارات يمكنك مشاركتي إياها عبر صندوق التعليقات أسفله.
